كيف نعامل مع شخص مكتئب

ربما ليس شيئاً ممتعاً ان نكتب عن الإكتئاب او الإحباط الذي يسيطر على حياتنا بين حينٍ واخر...
وربما ليس شيئاً مسلياً جداً أن نكتشف كم نحنُ نقطنُ اليأس بين اروقةِ حياتنا دون قدرةٍ مِنا على معرفة كيفية الخروج من هذا الجحيم...
وبما إن ..في عصرنا هذا..تزداد المشاكل ..وتزداد تراكمات الحياة..وتزداد تعقيدات الامور..الامر الذي يزيد نسبة الاكتئاب بشكل مثير للإنتباه....
لهذا.. من المهم جدا ان نكون مُلمين قليلا وان نأخذ بعين الاعتبار عدة امور تجعلنا نُعامل مريض الإكتئاب بطريقة واعية..وصحيحة...وليس فقط كمريضٍ عابر او سطحي .
الإكتئاب بمفهومه الحقيقي:

هو ليس مرضاً عادياً..يصيب الاعضاء في جسم الإنسان...بل هو مرض عميق..يدخل الى روح الانسان وليس فقط الى جسده...يؤثر على تصرفاته وليس فقط على وظائف اعضاءه...
ولكي نقول ان هذا الانسان مصاب بالاكتئاب يجب على الاقل ان يكون قد مر بعدة اسابيع من التغيرات الواضحة والبارزة في تصرفاته وفي شخصيته قبل ان نقول انه "مكتئب"..

علامات الاكتاءب:

لا نستطيع ان نقول لكل انسان فقد ابتسامته ليوم واحد..او ليومين..انه مصاب بالاكتئاب...
ولا نستطيع ان نقول لإنسان حزين..او مهموم...اوموجوع بأنه انسان مكتئب...
بل هناك دوما عدة علامات اساسية يجب توفرها لنؤكد بأن هذا الانسان مصاب بالإكتئاب.

من هذه العلامات الرئيسية:
احساس باليأس لأكثرمن اسبوعين من الزمن.
ضيق او احساس بالحزن دون سبب.
مشاعر الوحدة والعزلة بالرغم من وجود الناس معه وحوله.
صعوبة في النوم (ارق دائم او نوم لمدة طويلة)
مشاكل في الطعام (فقدان الشهية او الاكل بشراهة).
مشاكل جنسية (فقدان الرغبة بالجنس).
ضعف في التركيز وفي الذاكرة (يعاني من النسيان بشكل واضح)

الافكار الخاطئة:

قديما كان الناس يعاملون مريض الاكتئاب على انه مريض يعاني من امراض نفسية..وشخصية غير ثابتة..وغير سليمة..وربما غير قادرة على تحمل صعوبات الحياة...
لهذا كانوا يستعملون تعابير او كلمات قد تؤدي الى زيادة الاكتئاب عند المريض وليس ان تمنحه الراحة...

من هذه العبارات المستعلمة قديما..وللأسف ما زلنا نستعملها حتى الان في معالجة مشكلة الاكتئاب عند انسان ما ..
ان نقول للمريض مثلا " كل شيء سيكون افضل غدا".
او نقول "بكل الحالات، لديك كل شيء لتكون سعيدا".
او نقول " لو كان لديك سرطان، هنا كنت سأتفهمك".
او نقول مثلا " مع تقدم العمر، كل الامور ستتحسن".

كل هذه العبارات قد تُدمر المريض وليس العكس..لأنه سيشعر بأننا لم نفهمه..ولم نعرف مشاعره بالظبط ..بل فقط نمنحه الكلمات الفارغة...والخالية من مشاعرنا معه..وتفهمنا له...
وكأننا عندما نقول له " لو كان لديك سرطان، هنا كنت سأتفهمك" كأننا نؤكد له بأن مرضه ليس بشيء يذكر مقابل السرطان..ولا يجب ان نأخذه بعين الاعتبار او حتى ان نلقي انتباها له...
فالمكتئب يعتبر نفسه مريضا بغض النظر عن نوع مرضه...اكان مرض عضوي او مرض عصبي او مرض نفسي..بكل الحالات هو بنظر نفسه يعاني من مرض ويحتاج الى الدعم والتفهم من قبل الاخرين وعلاج حالته..ولا يحتاج قط الى الاستخفاف بحالته...ومنحه الكلمات وحسب.

نصائح تضر بمريض الاكتئاب:

احيانا كثيرة ..قد يلجأ الانسان منا الى نصح مريض الاكتئاب بعدة نصائح قد تؤدي هي الاخرى الى تفاقم حالته وليس الى تحسين الوضع النفسي له..
مثلا:
ان ننصحه بشرب الكحول لينسى مشاكله..ويغرق في الشرب بدلا من مقاومة المشكلة والتغلب عليها.
او ان نخبره عن الادوية التي تساعده على النوم بدلا من القلق الدائم والارق المسيطر على ساعات الليل ..فهكذا ينسى مشكلاته بالنوم..
او ان ننصحه ايضا بالذهاب في عطلة لتغيير الاجواء..وتغيير الامكنة..والاشخاص...

كل هذه النصائح قد تعيد المكتئب الينا اسوء مما كان ..وقد تؤخر في تحسين حالته النفسية اكثر بكثير مما نتوقع..
لاننا عندما ننصحه بالذهاب في عطلة فكأننا نقول له "اهرب من مشكلتك الى مكان اخر لا يذكرك بها"..وللاسف ..نحن نعلم بأنه سيحملها معه..وسيحمل افكاره السوداء الى فراشه في أي مكان كان...
وعندما نقول له ...ابتلع حبة منوم قبل النوم ..كأننا نقول له اغرق في عالم الاحلام..ولا تعد الى الواقع الخاص بك..لانه واقع اليم..وسيضايقك...

كل التوصيات والنصائح هذه قد تؤذي المكتئب..قد تتسبب له بمرض الاكتئاب المزمن وليس فقط العابر...
لاننا نكون قد اجلنا علاج المشكلة..ولم نمنحه العلاج المناسب في الوقت المناسب..
فالعلاج هو الطريق الاول الذي يجب ان نعتمده مع مريض الاكتئاب وليس الابتعاد عن اساس المشكلة ومعالجة الاشياء الهامشية...

لهذا...مواجهة مرض الاكتئاب ظرورة اساسية ...ليس فقط بين المريض والطبيب..بل ايضا بين المريض ونفسه...وهنا يبدأ العلاج..ويبدأ الحل..ويبدأ الامل بالحياة بالدخول الى عقل المريض والى روحه بدلا من اليأس...